+ حروب الفكر والأفكار الخاطئة وكيفية التغلب عليها فى موضوع متكامل
المفروض في الإنسان أن يعيش نقياً وهذه النقاوة تشمل روحه وجسده ونفسه وفكره ومشاعره، وكل شئ.. ونحن نصلي إلى الله في قداساتنا قائلين: " كل فكر لا يرضي صلاحك، فليبعد عنا".
ونقول أيضاً في صلواتنا: " طهر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا، وأفكارنا ونياتنا" إذن لأفكار أيضاً تحتاج إلى تطهير.
والأفكار الخاطئة التي تمر على العقل قد تكون أفكار غضب أو انتقام، أو أفكار عظمة وكبرياء ومجد باطل وأحلام يقظة، أو أفكار حسد وغيره، وشهوات عالمية، أو قد تكون أفكار زنا ونجاسة.. وما إلى ذلك، ولهذا يقال في القداس أيضاً:
" تذكار الشر الملبس الموت".
أي الذي يؤدي إلى الموت الروحي، هذا ينبغي ألا نجعل ذاكره تجول في أذهاننا.
+- البُعد عن تذكار الشر
تذكرك خطايا الآخرين، قد يوقعك في خطية الإدانة، أو تحقير الناس والتشهير بهم.. وتذكرك إساءات الناس إليك، قد يوقعك في كراهيتهم وفي خطية الغضب وربما شهوة الانتقام.. وتذكرك الخطايا الجسدية، قد ينجس فكرك ويوقعك في شهوة الجسد مرة أخري.
إن تذكر الشر باستمرار، يثبت الفكر الشرير في أعماق النفس. يثبته في العقل الباطن. ومن الأفكار الخاطئة المترسبة في العقل الباطن، تصدر أفكار شريرة، وظنون سيئة، وشكوك وتصدر أيضاً شهوات. وقد تظهر أيضاً شهوات. وقد تظهر الخطايا في هيئة أحلام.
لذلك ابعد عن الفكر الشرير، ولا تحاول أن نتذكره.. حتى في تبكيت النفس عليه. فما أدراك؟ قد يبدأ دخول الفكر إليك بالتبكيت، ثم يتحول إلى حرب داخلية تعود فيها المناظر الشريرة، لا بأسلوب ندم إنما بانفعال وشهوة..
ولعل إنساناً يسأل: ألا يجوز لي أن أضع خطيتي إمامي في كل حين، أبكت نفسي عليها، لا كسب التوبة والاتضاع؟
أقول: يمكن أن تتذكر خطيئتك بصفة عامة، ولكن حذار أن تدخل في التفاصيل المعثرة، أو في التفاصيل المثيرة.
ونقول هذا بالذات عن الخطايا الانفعالية، والخطايا الشهوانية، وبخاصة إن كان الإنسان لم يتخلص منها تماماً، ولم يصل فيها إلى النقاوة الكاملة، ويمكن أن تعود فتحاربه..
إنك أن بدأت تتذكر تفاصيل هذه الخطايا، إنما تدخل نفسك في دائرتها مرة أخري.
وقد يكون التبكيت على الخطية، مجرد خدعة يلجأ إليها الشيطان ليدخل بها الفكر إليك أو أنه ينتهر هذه الفرصة المقدسة لكي يحولها عن مسارها إلى اتجاه مضاد.
1- بداية الفِكر
إن فكر الخطية قد لا يبدأ بخطية.. لأنه لو بدأ هكذا، يكون قد كشف عن نفسه، وعندئذ يهرب منه القلب النقي، أو يطرده، أو يقاومه بكل السبل حتى لا يثبت.
ولكنه قد يبدأ بصورة خداعية.. ربما يبدأ مثلاً بالغيرة المقدسة، ومحبة الرغبة في بناء الملكوت.. ويتطور إلى دراسة الأخطاء التي تحتاج إلى إصلاح. ويتدرج من الأخطاء إلى المخطئين. ومن الرغبة في إصلاحهم إلى القسوة عليهم. وحينئذ يصبح الفكر كله إدانة وسخط على هؤلاء، وكراهية لهم، ورغبة في القضاء عليهم. وهناك فقط يكشف الفكر عن ذاته.
وقد يبدأ الفكر بعكس هذا، بالعطف على الساقطين ومحاولة إنقاذهم.
وهنا يستعرض نوعية السقوط، ودرجته وأسبابه وقصصه.. وربما ينفعل بكل هذا انفعالاً أليماً، فيسقط فكرياً في نفس الأمر..
لذلك ليس كل إنسان يصلح في العمل على إنقاذ الآخرين، ولا في ميدان الإصلاح.
الفكر الخاطئ قد لا يبدأ بصورة خطية. وأيضاً قد يبدأ ضعيفاً. يخيل إليك أنك تستطيع بسهولة أن تنتصر عليه.. ولكنك كلما تستبقيه داخلك، وكلما تأخذ وتعطي معه.. يثبت هو أقدامه ويقوي عليك. ذلك لأنك مكنته من وضع اليد على أرض مقدسة داخل نفسك.
كما إنك أشعرت الفكر أنك تريده باستبقائك إياه.. ومادمت تريده، إذن فأنت تعجز عن طرده.
كذلك في استقباله، يكثر إلحاحه عليك، وضغطه على مشاعرك، وحينئذ قد تضعف أمامه، لأنك لم تعد في قوتك الأولي التي كانت لك بداية الفكر.. ولم يعد هو في ضعفه الذي بدأ به.. وهنا تبدو الحرب غير متوازنة، وتحتاج إلى مجهود أكبر للسيطرة عليها.
أمنا حواء، لما بدأ معها الفكر، كان أضعف منها، مجرد سؤال. وقد تمكنت فعلاً من الرد على الفكر بقوة، فلم تذكر فقط أن الله قال لهما: "لا تأكلا من الشجرة" بل أنه قال بالأكثر" لا تمساه".. ولكن حواء مع معايشة الفكر الخاطئ، واستمرار عروضه وإغراءاته، بدأت تضعف، وتحولت من الفكر، إلى الشك، وإى الشهوة، وأخيراً مدت يدها وقطفت وأكلت، وسقطت واسقطت غيرها.
وبالمثل حدث لقايين..
قال له الله إن الخطية رابضة على الباب، إنها لم تدخل بعد، إنه (أي قايين)" يسود عليها" (تك4: 7). ومع ذلك بتوالي الفكر، وسماحه له أن يدخل إلى قلبه ومداولته معه، خضع قايين أخيراً للفكر الذي سيطر عليه، وقاده إلى قتل أخيه..
نقطة أخري في سبب سيطرة الفكر عليك بعد أن كان ضعيفاً:
وهي إنك باسترخائك في طرد الفكر الخاطئ، إنما تخون الرب، باستبقائك فكراً ضده، وبسبب هذه الخيانة تتخلى عنك النعمة التي كانت مصدر قوتك. وحينئذ يصبح من السهل سقوطك.. ورمبا كان في داخلك لون من الكبرياء، شعور بالذات، يقنعك أنك أقوي من الفكر، وأنك تستطيع طرده في أية لحظة أردت!!
ولذلك تتركك النعمة لتشعر بضعفك فتهرب في المستقبل من أي فكر خاطئ يأتيك.. وهكذا تنتصر عليه بالاتضاع وليس بادعاء القوة والقدرة على طرده..
وربما الفكر الضعيف الذي أتاك، استطاع أخيراً أن يقوي عليك، لأنك حاربته وحدك، ولم تلجأ إلى الله بالصلاة لكي ينقذك منه، ونسيت أن ترشم ذاتك بعلامة الصليب وتلبس قوة من فوق..