تأملات فى حياة القديسة دميانة
سبقت عصرها وزمانها*****************
كانت القديسة دميانة شخصية غير عادية وشخصية مميزة وسط جماعة القديسين والقديسات. سبقت القديسة دميانة عصرها وزمانها لأنها فكرت فى الرهبنة وفى تأسيس دير وحياة شركة، وقادت الراهبات فى حياة النسك والعبادة، إلى جوار قيادتها لهن فى طريق الاستشهاد، فانطبق عليها ما قيل عن السيدة العذراء "تدخل إلى الملك عذارى فى إثرها، جميع قريباتها إليه يقدُمن" (مز44: 14).
بدأت القديسة دميانة حياتها الرهبانية وحياة الشركة فى ديرها فى وقت لم يكن فيه أديرة أو رهبان أو حياة شركة، لأن القديس باخوميوس بعد ذلك هو الذى أسس حياة الشركة
. وبالرغم من أنها قد بدأت طريقاً جديداً؛ إلا أنها استطاعت أن تجتذب جميع صديقاتها الروحيات إلى طريق الرهبنة، بقوة تأثيرها على المحيطين بها.
أحب الكثيرون السيد المسيح من خلال القديسة دميانة، كما أحبوا أيضاً العشرة معها، بمجرد أنها استطاعت أن تعيش للمسيح، اشترك معها الكثير من العذارى اللائى عرفنها قبل أن تتجه للوحدة
.
البداية************
بدأت القديسة دميانة مع مجموعة من العذراى لأنه من غير المعقول أن يبنى لها والدها بيتاً كبيراً فى مكان خلوى ويضع عليه حراساً (قد يكون فى وجودهم خطورة) إلا إذا كانت معها جماعة من العذارى، فتستطعن أن تغلقن الأبواب وتمكثن بالداخل. وهى بلا شك لم تكن وحدها فى هذا البيت الكبير.
تختلف البداية التى بدأت بها القديسة دميانة عن البداية التى بدأ بها القديس الأنبا أنطونيوس، الذى خرج إلى البرية وعاش فى الوحدة، فمكث فى مقبرة مدة عشرين سنة، ثم اتجه إلى المغاير فى الصحراء الشرقية، إلى أن تجمّعت حوله جماعة من الرهبان
.. فى ذلك الحين كانت القديسة دميانة قد كوّنت ديرها، ثم بدأ عصر الاستشهاد.
أول من أسست دير للراهبات
ربما خرج القديس الأنبا أنطونيوس لكى يعيش فى الحياة مع الله قبل القديسة دميانة، لكن لا أظن أنه كوّن مجموعة من الرهبان أو كان أباً للرهبان قبلها. لأن القديسة دميانة كانت قد بدأت بمجموعة من العذارى عشن حياة الشركة حيث إن وضع الفتاة يختلف عن وضع الرجل فى هذا الأمر.
استشهدت القديسة دميانة فى عصر الإمبراطور دقلديانوس الذى اعتلى كرسى الإمبراطورية عام
284 م، فتكون القديسة دميانة قد استشهدت فى أواخر القرن الثالث الميلادى أو فى بداية القرن الرابع الميلادى. وفى هذا الوقت بلغ عدد الراهبات اللائى كن معها أربعين.. وبهذا تكون القديسة دميانة هى أول من عاشت حياة الشركة الرهبانية فى مصر وربما يكون ديرها الأصلى هو أقدم دير أنشئ فى العالم كله.
الدير الذى سكنت فيه القديسة دميانة يختلف عن الدير الذى شُيِّد بعد ذلك حول قبرها
. ربما تكون مبانى الدير الأصلى عند التل الأثرى حالياً. فحينما أتت الإمبراطورة هيلانة، بنت المقبرة والكنيسة والمساكن المحيطة بها، وربما لم تستخدم القصر الأصلى لأن المقبرة والكنيسة الكبيرة لا تُبنى داخل البيت.. فلابد أنها بُنيت خارجه.
شقّت طريقاً لم يسبقها إليه أحد
سبقت القديسة دميانة عصرها كله وكانت لديها شجاعة وجرأة عجيبة. ما من أحد بدأ حياةً رهبانية إلا على أساس من سبقوه، فيستطيع أن يأخذ خبرة من الحروب الروحية التى واجهتهم وكيف واجهوها. لكنها مثل القديس الأنبا أنطونيوس الذى كانت له الشجاعة أيضاً أن يبدأ طريق الرهبنة حيث لا يوجد دير.
بتأسيسها لأول دير شقّت طريقاً لم يسبقها أحد إليه
. لكن بالتأكيد كانت القديسة دميانة تأخذ إرشاداً روحياً من أسقف المنطقة، لكنها لم تسأل راهبة مثلاً تكون قد عاشت قبلها فى هذا الطريق كيف سلكت فيه حتى تتلقن منها، لكنها وضعت كلاً من السيد المسيح والعذراء مريم أمام عينيها فكانت تتمثل بهما.
بدأ السيد المسيح الكنيسة بالآباء الرسل
.. هؤلاء كانوا نقطة البداية.. وهكذا كانت القديسة دميانة إحدى البدايات التى بدأت فى العالم كله. رغم أن هذا الدير لم يتمكن من البقاء حتى تتسلم منه الأجيال لأن الدير كله انتقل إلى الفردوس باستشهاد العذارى.
لو أن أى عدد من العذارى استمر فى الوجود لسلّم لباقى الأجيال خبرة الحياة الروحية الديرية، لكنهن انتقلن جميعهن، ولم يتركن أى شئ من خبراتهن الروحية
.. وضع غريب!! ولكن قبولهن كلهن للاستشهاد بفرح وشجاعة -رغم عنف الحرب التى وُجهّت ضدهن- جعلت ما لم يُكتَب كخبرات تفصيلية يكون له تأثيره العميق فى قلوب الآخرين بل ربما يكون أقوى فى التأثير من السير المكتوبة.
كانت القديسة دميانة والعذارى مصدر إلهام للكثيرين، ونحن نطلب أن يعطينا الرب فى ديرها من نوعية حياتها الروحية
مازال للموضوع بقيه